تصريح الشاذلي باي لصحيفة الصباح
في شقة صغيرة بجهة لافيات بالعاصمة حيث يقيم وحيد عن سن تفوق 92 عاما… كان لنا أمس لقاء مع الأمير الشاذلي باي نجل الأمين باي و سليل العائلة الحسينية المالكة في تونس إلى غاية قيام الجمهورية في 25 جويلية 1957.
و استمعنا خلاله إلى شهادات مثيرة تحدث فيها عن علاقة العائلة المالكة بالمستعمر الفرنسي… بالفلاقة… ببورقيبة، بصالح بن يوسف، بفرحات حشاد و بغيرهم من زعماء الحركة الوطنية.
و رفع النقاب عن تفاصيل بعض الأحداث التي عاشها هو و أفراد عائلته اثر الإعلان عن النظام الجمهوري و تطرق إلى ظروف سجنه و سجن زوجته و تحدث عن ملابسات محاكمة « السياغة » و تجريد الأميرات و جميع أفراد العائلة المالكة من حليهم و ممتلكاتهم و أرزاقهم و ديارهم و عن علاقة البايات بالزواتنة و طلبة العلم بالخارج و عن وضع المرأة التونسية المتردي و حتى نساء البلاط قبل صدور مجلة الأحوال الشخصية. و جرى هذا اللقاء في إطار منتدى الذاكرة الوطنية الذي يديره الدكتور عبد الجليل التميمي مدير مؤسسة التميمي للبحث العلمي و المعلومات بزغوان. وهو مؤرخ يسعى إلى جمع شهادات شخصيات وطنية كان لها حضور مؤثر في مسار بناء الدولة أو كانت لها بصمات واضحة في تاريخ تونس المعاصر.
نظرا لأهمية الشهادة التي أدلى بها الشاذلي باي بحضور ابن أخيه المختار باي تنقل « الصباح » في هذا العدد الجزء الأول منها و فيه تفاصيل ما ذكره بشأن علاقة العائلة المالكة ببعض زعماء الحركة الوطنية على غرار صالح بن يوسف و الحبيب بورقيبة و عبد العزيز الثعالبي و فرحات حشاد..
و في الجزء الثاني تطرق إلى حديث عن الحالة التي آلت إلها العائلة المالكة سابقا اثر تجريدها من جميع ممتلكاتها و تنقل ما ذكره بشأن ظروف سجنه و تفاصيل محاكمة « السياغة » و علاقة البايات بطلبة العلم و الزواتنة و بالعائلات المالكة في الدول العربية الأخرى و غيرها من المسائل التي تحدث عن بعضها باطنات و عن البعض الأخر باقتضاب، و كان بين الحين و الآخر يعتذر عن السهو أو النسيان مجهدا نفسه في استرجاع ذكريات قديمة يعود بعضها إلى أكثر من نصف قرن.
ففي قاعة جلوس متواضعة للغاية تحتوي على أريكتين صغيرتين و عدد قليل من الكراسي و بساط صوفي و تلفزيون بالألوان و طاولة و عدد من الصور القديمة بالأبيض و الأسود لأميرات و أمراء العائلة الحسينية استقبلنا الشاذلي باي في شقته التي يقطنها على سبيل التسوغ و اشترط عدم الإطالة في الأسئلة لأنه سريع التعب و يرهقه الكلام الكثير وهو في سن تجاوز 92 عام. و إجابة عن أول سؤال و يتعلق بنوعية العلاقة التي كانت تربط بعض زعماء الحركة الوطنية بالعائلة المالكة قبل الإعلان عن قيام الجمهورية و بعد هذا التاريخ أي (25 جويلية 1957) ذكر الشاذلي باي أن علاقة الباي كانت وطيدة و طيبة في آن واحد مع صالح بن يوسف حيث يقول « كانت علاقة « سيدنا » المنصف باي بصالح بن يوسف متواصلة و كنا نتقابل مع بن يوسف في دار بوصفارة و كانت علاقتنا ببقي الزعماء طيبة و لكن حين توفي سيدي المنصف باي قلت زيارتهم لنا و اذكر أن صالح بن يوسف كان يقول لعمـر النيفر أنه من الأفضل التفاهم مع الباي فخير لنا أن يكون صديقا من أن يكون عدوت لنا ».
و يصمت الشاذلي باي بعض الوقت و يضيف « حتى و إن كان صالح بن يوسف من أنصار قيام الجمهورية فإنه لم يضربنا كما فعل بورقيبة و كانت علاقتنا ببورقيبة منذ البداية محدودة ، فلم يسع للاقتراب منا و أضر بنا حتى أنني أذكر أن والدي أمضى طيلة الشتاء ينتظر أن يحضروا له الملابس الشتوية و مضى الكثير من فصل الشتاء وهو ينتظر و لكن دون جدوى ».
و عن فرحات حشاد يقول أن علاقته بالعائلة المالكة كانت بمقدار « إذ أنه كان يزورنا لوقت وجيز لا يتجاوز عشرين دقيقة و يمضي إلى حال سبيله و مثله كان يفعل الصادق المقدم و كان الأمين باي يحب فرحات حشاد يحب بدوره ولدي الأمين باي ».
و عن سبب زيارة هؤلاء إلى البايات قال الشاذلي باي « جميعهم كانوا يأتون رغبة في الحصول على المال فقط حتى أن زوجة صالح بن يوسف كانت تقول أنها اشترت منزلا بمال الصادق باي و أحمد بن صالح أوصاني قبل سفره أن أرسل « شهرية » إلى زوجته و الحبيب الشطي جمعنا له مبلغا قدره ألف دينار إثر خروجه من السجن و لكنه رآني ذات مرة و تجاهلني و رفع جبته إلى أعلى رأسه ليحجب عني وجهه ».
و بالنسبة لبورقيبة يقول الشاذلي باي الحسيني أن والده الأمين باي « كان يحدس قيام الجمهورية و يخشى ذلك حتى أنه بكى ذات مرة و أدمعت عيناه لما زار بورقية قصر الباي و يصيف كنت أعزب في ريعان الشباب و شاهدت بعيني طيف بكى والدي بعد انصراف برقيبة و قال لنا باش تندمو ».
و يقول و كنت أنا بدوري أعرف أن بورقيبة له مخططا لإعلان الجمهورية و اسم بورقيبة كان لدى الجميع مرتبطا بالجمهورية، حتى أن الباي كان لا يتحرك من مكانه و يظل جالسا على كرسيه كلما زاره بورقيبة لكن حينما يزوره صالح بن يوسف كان الباي يرافقه مودعا إلى الشارع رغم ان بورقيبة يزوره يقبل له يده ».
و يضيف الشاذلي باي « كنت أتوقع قيام النظام الجمهوري و لكني لم أتصور يوما أن بورقيبة سيؤذينا بتلك الطريقة لقد قاسينا كثيرا و لم يقف إلى جانبنا أحد انقلب علينا الجميع بعد قيام الجمهورية حتى الأصدقاء أصبحوا يديرون وجوههم أو يغضون الطرف كلما رأونا »
و يقول « و ليس بورقيبة وحده الذي كان وجوده يوحي إلينا بقيام الجمهورية بل مع عبد العزيز الثعالبي توقعنا أيضا قدوم الجمهورية و في المقابل كان صالح بن يوسف مثل أخ لنا رغم أنه كان بدوره يرغب في قيام الجمهورية لكنة لم يسئ لنا مثل الآخرين فقد كان صدوقا معنا في حين اضر بنا بورقيبة كثيرا لما سحبت من أيدينا جميع ممتلكاتنا، حتى أن الباي لما كان يقطن بسكرة كان يحصل على تسعين دينارا فقط و كانت أجرة الحلاق لوحده 2500 ملم و من ذلك المرتب كان يصرف على الجميع و يدفع اجر حارس الباب ».
و يتدخل ف هذا الموضوع من الحديث المختار باي ابن أخ الشاذلي باي ليقول « أذكر أن للة صوفبة حدثتني ذات مرة أنهم حينما انتقلوا إلى منوبة لم يكونوا قادرين حتى على الاستحمام نظرا لأن المنزل الذي يقيمون فيه مطوق بالحراس و كانت أعينهم لا تنام و كانوا يدخلون عليهم في كل وقت و حين إلى درجة خشية النساء من أمكانية مكاشفتهن و هن عاريات للاستحمام.
و يعلق الشاذلي باي عن هذا التدخل فيقول » إننا كنا نقطن في دار عربي و كان الحراس يربطون أمامهم و كتن من الصعب التصرف بحرية و إضافة إلى ذلك ذكر أنهم تركوا الجماعة يوما كاملا و ليلة دون مأكل و امتنعوا عن اقتناء الحاجيات الغذائية للنساء الموجودات يتلك الدار ». و يقول ابن أخيه « حدثتني للة صوفية أنها لما طلبت من الحارس آن يحضر لها بعض الأغراض لتعد الطعام امتنع و قال لها ضيافة النبي ثلاثة أيام فقط ».
و تحدث الشاذلي باي عن والده الأمين باي في أخر ايام حياته فقال « حينما كان والدي مقيما في سكرة كان مستاء و قبل موته اثر مرضه بالسل في الرئة و تطور هذا المرض و أصبح سرطان كان يحب من يزوره و كان يصافح زواره و يقول لكل واحد منهم قبلني و قال هذه الكلمة حتي لطبيبه و سرعان ما توفي ».
و يذكر الشاذلي باي أن والده الأمين باي أمضى أخر أيام حياته في سكرة كان يحس بالوحد خاصة بعد وفاة زوجته و أخيه ».
و يضيف ضاحكا « لما توفيت والدتي حضر الجنازة و موكب الدفن الكثير من الناس مجتملة لوالدي و لكن لما توفي والدي لم يحصر منهم احد حسابات يا وادي أظن أن الشاذلي النيفر هو من صلى على والدي صلاة الجنازة و لكنه فيما بعد تألب علينا و ناصر بورقيبة ضدنا ».
و عن علاقته بوسيلة بورقيبة يقول الشاذلي باي أنها « علاقة طيبة إذ ان وسيلة كانت تسأل عن حاله و تقدم له المساعدات و تزوره في بيته بين الحين و الأخر و كانا يتقابلان كل يوم جمعة في بيت أخته زكية تهديه الملابس و الأحذية و ترسل له بعض الاغراض من فرنسا و تواصلت علاقتهما إلى حين وفاتها ».
و أشار الشاذلي باي في إطار اللقاء الذي نظم على هامش يوم الذاكرة الوطنية إلى أن موضوع « الصاغة » و « الذهب » هو الأمر الذي بقى عالقا في الأذهان لفترات طويلة مؤكدة أنه قد تعرض – كما بقية أفراد العائلة – إلى ضرر كبير و قال : « بقيت بين أيديهم يأخذنني مرات إلى السجن ثم يطلقون سراحي… و في كل مرة يأتونني بشخص ما، و يقولون ما إذا كان هو الذي أخذ الصياغة أم لا… ؟
و حول المحاكمة التي تعرض لها قال : موضوعها الصياغة و أرادوا أن يحكموا علي بــ 5 سنوات سجنا وهو ما تم …و أطلق سراحي بعد سنتين… » و أضاف أنه لم يكن حاضر في المحاكمة و أنه أخبر بالموضوع فقط.
و من أبرز ما يذكره عن أيام سجنه هو ما تعرض له حمادي بن سالم من ضرب شديد من قبل عمر شاشية الذي قدم خصيصا إلى سجن القيروان من بني خلاد لمعالجة الأمر اثر محاولة بن سالم الهروب بعد ان تخفى في زي نسائي (ملحفة) و القي القبض عليه في سوسة. و أشار السيد الشاذلي إلى أن علاقته جيدة مع عمر شاشية آنذاك.
و يذكر المتحدث بقي في البداية في السجن العسكري ثم انتقل إلى السجن الجديد، و قال « عندما أطلق سراحي ذهبت إلى بورقيبة و قابلته فقال لي : « الله غالب… غالب…. و كانت وسيلة إلى جانبه… و أصر السيد الشاذلي باي على التفريق بين معاملة بورقيبة و معاملة وسيلة مؤكدا أن وسيلة لم تكن سيئة معه على الإطلاق و أنها ظلت تسأل عليه على الدوام و تأتيه إلى المنزل و ترسل إليه الملابس و الهدايا من فرنسا و قال : « كانت تأخذ بخاطري… و قد أقر بجراية شهرية لزوجتي قيمتها 150 دينارا بعد موافقة بورقيبة لكن وسيلة هي السبب في ذلك.
و حول موضوع « الصياغة » قال الشاذلي باي أنها ليست بالصورة التي راجت و أضاف : » أغلبية الصاغة » كانت عند والدي رحمه الله و البعض القليل عند زوجتي… في حين أن ما عدا ذلك « ذهب فالصو » (غير حقيقي)و يؤكد المتحدث أن كل ما عند شقيقته للا زكية « فالصو » كله…
و يذكر السيد الشاذلي باي أنه في حفل زفاف عزوز الباهي قلت لزوجتي لا تذهبي بـ « الصياغة الفالصو » لأن ذلك سيحرك عدة سواكن… و فعلا ذلك ما حدث إذا انبهر الجميع و كنا محل متابعة من الحضور رغم أن الذهب « فالصو » كما يذكر المحدث أن الشنوفي قد قدم ذات مرة و قال : « بورقيبة أراد أن يعرف الخاتم الديامنت الذي في إصبع الباي و قد سلمناه له بعد أن تركه لفائدة شقيقتي للا عائشة ».
و قال إن إلغاء الملكية بتلك الصورة قد أضر كثيرا بالعائلة : « لقد ألغى بورقيبة جميع الرواتب التي تصرف لأفراد العائلة و لم يبقى إلا على راتب بـ 15 دينارا لشقيقي محمد الذي كان يحبه كما خصص جراية لوالدي عندما نقل إلى منوبة وهي في حدود 90 دينارا يدفع منها – رحمه الله – مصاريف الحراسة و الأكل و الحلاقة التي قال أنها محل « سمسرة » حيث كان الحلاق يتقاضى 2500 مليم كاملة.
و قال « لقد تركونا مرة 24 ساعة دون أكل بالرغم من أننا نحن من يسدد ثمنه. و أشار المتحدث إلى أنه حينما كان محمولا إلى سجن القيروان سلمه الباي 200 دينار لــــــــــــــه و 200 دينار لحمادي بن سالم ثم بعدما حدث من قصة محاولة الهروب تم انتزاع المبلغ المالي مني.
و أكد أنه لم يدافع على العائلة أي أحد و قال : « أصحابي و اقرب الناس، إلي و الذين أخذوا مني الكثير و أفدتهم كثيرا تنكروا لي و عندما ألقاهم بعد خروجي من السجن « يديرون » وجوههم عني.
و أكد المتحدث أن تجريدهم من الأملاك كان تاما، و يذكر أنه عندما كانت زوجته تهم بمغادرة المنزل الموجود في جهة قرطاج و معها « قصرية » لابنها الصغير … افتكوها منها و قالوا لها « هذه من أملاك الدولة ».
و أشار المتحدث إلى أن المنجي سليم لم يكن واضحا و يذكر انه قد سمعه يقول للطاهر بن عمار لما كان يمران أمام دار المغربية في قرطاج « يا سي الطاهر هذه أش باش تولي غدوة » و أوضح المتحدث أن المنجي سليم أراد تأخير إعلان الجمهورية في حين كان كل من رشيد إدريس و الشاذلي النيفر مطالبين بالإسراع بإعلان ذلك.
و في معرض إجابته عن الأسئلة التي تولى صياغتها الدكتور عبد الجليل التميمي مدير مؤسسة التميمي للبحث العلمي و المعلومات بزغوان أوضح النجل الأكبر لآخر بايات تونس أن علاقتهم في البداية انحصرت مع بن يوسف و أنهم كانوا يلتقون مهم في دار بو صفارة في حمام الأنف و يذكر المتحدث أن بن يوسف قال لعمر النيفر : « نتفاهم مع الباي و نحوله صديقا أفضل بين أن يصبح عدوا لنا ».
و أشار إلى أنه استمع إلى كلامهم و استمعوا هم كذلك إلى كلامه…
و يذكر المتحدث أن الباي كان يحترم كثيرا صالح بن يوسف و أكد أنه عندما يأتي يفرح به الجميع كثيرا على عكس بورقيبة و أضاف : « ذات مرة قدم بورقيبة و قبل يد الباي لكن الباي لم يتحرك على الإطلاق و عامله ببرود تام و عندما جاء صالح بن يوسف أوصله الوالد إلى حدود الباب الخارجي… » و رجح المتحدث أن تكون لتلك المعاملة الجيدة أثر عميق في نفسه بورقيبة.
و يذكر أن بورقيبة قال مرة : « متى يموت الباي و نرتاح منه » و أكد أن بورقيبة امتلك مخططا منذ البداية لإعلان الجمهورية و إلغاء الملكية. و قال نفس الأمر حصل حتى مع عديد ممن سبقهم و خاصة عبد العزيز الثعالبي. و أضاف : « الأمين باي كان متخوفا جدا من بورقيبة « . و يذكر المتحدث كيف بكى الباي مرة عند قدوم بورقيبة و قال لهم : « و الله ستندمون ».
و أطلب السيد الشاذلي باي في أبرز ما كان للأسرة المالكة من دعم كبير منقطع النظير للحركة الوطنية و قال : كلهم أتوا إلينا و اخذوا الدعم و الأموال و لم يرفض أي أحد منهم » و أضاف : « الفلاقة كانوا يأخذون الفلوس من عندنا » و اذكر أن السلاح كان يخبا تحت فراش الأميرة عائشة وهي التي تزود به المقاومين … و أذكر كذلك كيف أن « واحد طرابلسي » كان مختبئا في بيت نوم الباي و جاء المستعمرون و أخذوه (!) و يواصل : « كما أن لزهر الشريطي سكن معنا في حمام الأنف و كذلك حسن بن عبد العزيز سكن معنا بدوره في حمام الأنف و لا يكلمه أحد على الإطلاق ثم يغادر للقيام بالعمليات الفدائية.
و يؤكد المتحدث أن الأميرة عائشة كثيرا ما تتحول إلى فرنسا و تلتقي بمحمد المصمودي تحمل له الذهب كإعانات للطلبة كما تنقل لهم الزيوت و المعونات و قال السيد الشاذلي باي، ظللت ارغب في أن أشتري له « موتور » لكي يتمكن من الإتصال بالطلبة …
و قال : « المصمودي و غيره لما يطردهم بورقيبة أو يغضب عليهم يأتوني إلينا …
و أشار المتحدث إلى أنه قام قبل لحظات من إلقاء القبض عليه و سجنه بتمزيق رسالة أرسلها له محمد المصمودي في وقت سابق و قال : « فعلت ذلك خوفا على المصمودي من الملاحقة … » كما أن الأميرة زكية تحولت إلى صفاقس و قدمت العون إلى العمال و الشغالين في نضالاتهم.
و عن فرحات حشاد قال السيد الشاذلي باي : » كان يأتينا هو الأخر وهو شخص طيب و يرافقه الصادق المقدم » لكن لم يكن الود معه كما مع صالح بن يوسف « كان يسلم علينا فقط و يأخذ الفلوس… » و قال إن بن صالح ترك له الوصية لكي يتصل بزوجته … و عن دار فرحات حشاد في مونفلوري قال أنا من جمعت المال لبنائها و بعد اغتياله كنا نصرف على عائلته ».
و أكد المتحدث أن دعم الباي كبير للحركة الوطنية و قال : « لما كان صالح بن يوسف و محمد بدرة هاربين في مصر بعثت شخصيا برسالة إلى الملك فاروق و تم قبولهما هناك و الترحيب بهما كما أن الحبيب العياري كان يأخذ إليهما الفلوس في مصر و اذكر أنه حمل لهما مرة مليون كاملا ».
و أشار المتحدث إلى العلاقة الجيدة مع محمد شنيق و أضاف المتحدث أن المنوبي البوزيري قد خوف الأمين باي بالصادق باي و أكد المتحدث أنه لم توجد ثقة كاملة في تلك الفترة و أنا أغلب من يتلقى الدعم من الباي و يعلن المساندة تجده في الجهة الأخرى يعاضد بورقيبة و هكذا.
و أشار إلى أن فرنسا اختارت جانب البايات في البداية ثم غيرت نهجها و سارت وفق توجيهات بورقيبة… و قال أن سمة الأغلبية آنذاك هي البحث عن البطولة و الزعامة من خلال السعي لكي يحصلوا في قبضة المستعمر و تحت رحمته حتى ينعتوا بالبطولة… و قال : » من يريد ان يصبح زعيما يبحث عن سجن أو منفى عند الفرنسيين ثم تأتي الناس لتهنئته و شكره عند إطلاق سراحه… »
و أكد المتحدث أن لأحمد التليلي عدة مواقف جيدة و قد رفض عدة أشياء من بورقية لكنه لم يكن قادرا على الكلام بصفة علنية. و أشار إلى أن كل الأمور في يد فرنسا و أن البايات غير قادرين على أي فعل حقيقي و يذكر أن احد المقيمين الفرنسيين قد أجبر الباي على الإمضاء على بعض الأوامر بعد أن هدده بأنه سيتم إنزال علم البلاد نهائيا و إلحاق تونس بالجزائر.
و حول علاقة الباي بالزيتونيين قال الأمير الشاذلي باي باستثناء محمود شرشور فالجميع يأتوننا و خاصة الفاضل بن عاشور و والده الطاهر… » و قال : « الفاضل شخصية قوية و يمارس السياسة « .
و يذكر المتحدث كيف طلب منه الشاذلي بن عاشور عزل عبد العزيز جعيط من الإمامة و تعيينة مكانه و كيف أنه رفض ذلك بشدة، و قال : « الشاذلي كذلك دار علينا هو الآخر مع بوقرقيبة ».
و أشاد المتحدث بالوزير الطيب بالخيرية الذي قال أنه يأتي إلى الباي و يبدي رأيه إليه. و اشار إلى أن الطاهر بن عمار ظل إلى جانب الباي و قال له : « لا تمضي على أوامر صادرة عن المقيم… في حين أن الهادي نويرة قال له : « امض و حال ». !
و أوضح المتحدث أنه مزق عدة رسائل و وثائق تهم عدة أسماء و شخصيات حماية لهم و قـال : » كل شيء يذهب و المسامح كريم ».
و عن شخصية بورقيبة قال الأمير الشاذلي أنه شخصية عظيمة بالرغم من اساءته الكبيرة لي شخضيا و لكل أفراد العائلة فإن بورقيبة يستحق التقدير و الإحترام على ما أنجزه، و أضاف : « كانت له قوة نفسية كبيرة و كان مطلق الحرية بعد أن ساندته فرنس ».
و في تنويهه بـ « بورقيبة » قال المتحدث « أن ما أفاده كثيرا هو أنه لم ينضم لا إلى الجماعات الاشتراكية و لا إلى القومية بالإضافة إلى اهتمامه الكبير بوضعية المرأة التي انجز لفائدتها الكثير و قال : « بالفعل كانت المرأة تعيش وضعية متردية جدا… و ميزة بورقيبة أنه أنجز الكثير برغم المعارضة التي لقيها و خاصة من « المشايخ ».
و ذكر المتحدث كيف أنه حين وفاة والده الأمين باي لم يقدم أي أحد لتعزية أو حضور الجنازة على عكس ما حدث حين وفاة والدته… مما يفسر حجم الطمع و الغايات المخفية و عدم الثقة آنذاك.
و يتحدث عن آخر لحظات والده الأمين باي قائلا : » كنت إلى جانبه في سكرة وهو في وضعية نفسية صعبة جدا خاصة بعد أن بقي وحده بعد وفاة والدتي و اصابته بمرض فتاك… » و قال : لم يبقى لنا أي شيء على الإطلاق فها أنا مثلا قاطن بهذه الشقة المتواضعة التي هي على وجه الكراء … ».
تلك « شهادات مهمة » لشخص كان قريب جدا من الأمين باي آخر بايات الدولة الحسينية و كان مرشحا بارزا للعب أدوار في تاريخ تونس بما أن مصادر عديدة كانت تؤكد أنه كان المرشح لخلافة والده.
و الأكيد أن وسط هذا سيدور جدل جديد بين المؤرخين و المهتمين بتاريخ الحركة الوطنية و تاريخ تونس الحديث من أجل مزيد توضيح بعض المعالم التي صبغت الحياة السياسية لتونس في فترة هامة من تاريخها.
Laisser un commentaire